سرقة السماء الجزء الثانى حيث دئما مصالح الدول تتشابك فيما بينها مما يحتاج معها الى تجنيد جواسيس فى الدول الاخرى لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب الدول المخترقة ولذلك نجد ان الجاسوسية منتشرة بين جميع الدول منذ فجر التاريخ نجد الكثير من القصص التى اكتشفت وما خفيا كان أعظم بالطبع ومن قصص عملاء الموساد قصة سرقة السماء الجزء الثانى:
يقول منير روفا في مذكراته الشخصية:
"كان أبي كالمحيط في تقلباته وثوراته المدمرة، فرسائله تجيئنا صاخبة، يسمم أبداننا في الاستهلال ويلعننا في كل سطر، ويختم متوعداً بحرماننا من المال الذي لا يكفي معيشتنا لخمسة أيام، فكُنّا نبيت جرحى مع وصول رسائله، نلعق الدموع ونجرع الأسى كم كنت أشعر بآلام عقلي و كبدي و أنا أرى أمي تتألم و تعمل في مثابرة لإطعامنا و أحلم باليوم الذي أستطيع فيه تخفيف معاناتها لكن مشاكلنا وحاجاتنا كانت تزداد يوماً بعد يوم و ذلك القابع بين أحضان الهندوسية لا يرسل لنا إلا اثنتي عشر جنيهاً كل شهرين.
لذلك فقد حاصرتني أحلام اليقظة، أحلام مليئة بالثراء والشبع، اتخذتها مهرباً لي من سموم أبي ومنغصاته".
وفي كفاح مرير من أجل أن يحيا آمناً، تفوق منير تفوقاً ملموساً في الكلية الجوية وتخرج منها طياراً ليخدم في سلاح الجو العراقي ومن الراتب الضخم الذي تمنحه الدولة لطياريها، استطاع أن يساعد أخوته ويدخر بعضه ليتزوج من حبيبته "مريم" ابنة الأسرة الثرية، التي تعلق قلبه بها.
كانت مريم فتاة جميله هادئه الطباع درست الأدب الإنجليزي بجامعة بغداد وأثناء دراستها تعرفت بشقيقة منير – رفيدة – زميلة الدّراسة ومن خلالها ارتبطت عاطفياً بمنير روفا و على استحياء اتفاق على الزواج و بعد عودته من الدورة التدريبية الأولى في موسكو عام ١٩٥٧ تزوجا في حفل عرس انيق و أقاما بإحدى شقق حي الديوانية و أنجبا يوسف و ناجي عامي ١٩٥٩، ١٩٦١ .
أوفد منير في بعثة طويلة الى الاتحاد السوفييتي، للحصول على دورة تدريبية لقيادة الطائرة ميج 21 و اعتقد روفا أنه سينتقل أخيراً من القاعدة الجوية بالقرب من كركوك، لكنه أبقى مكانه على مسافة ثلاثمائة وخمسة عشر كيلو متراً من بغداد برغم الطلبات العديدة التي تقدم بها لقيادته لنقله الى قاعدة الرشيد الجوية القريبة من العاصمة و ظل بمكانه حتى بعد عودته من الدورة الأخيرة في تكساس.
لم تكن رغبة روفا في الانتقال الى بغداد نابعة من حبه لبيته ولأولاده بقدر ما كان مطلباً حيوياً له، حيث يستطيع ممارسة هوايته المفضلة في العاصمة المزدحمة ألا وهي مطاردة الحسناوات الفاتنات اللائي يبهرهن زيه العسكري كطيار، متخذاً من شقة صديقه اليهودي يوسف منشو، مسرحاً ومرتعاً لنزواته، ووكراً أكثر أمناً للقاءاته النسائيه.
عندما حلل خبراء الموساد شخصية الطيار الشاب، اكتشفوا أن هوايته في مصاحبة النساء كانت نوعاً من الهرب من معاناته النفسية، اتخذت منذ بدايتها – وكان وقتها طالباً بكلية الطيران – طابع التعدد والتباين، ويبدو أن مسلكه هذا يعود في الأساس الى نشأته و من هنا بداء الخيط الذي اتخذه الموساد الي روفا حتي استطاعوا الايقاع به.
المعلومات السرية الأخيرة التي بثها عملاء الموساد في بغداد أوضحت بأن الطيار العراقي منير روفا على علاقة بفتاة عراقية و أنه دائم الالتقاء بها بمنزل صديقه يوسف منشو و هو تاجر يهودي مفلس يطالبه الدائنون بمبالغ كبيرة و قد ارتبط هو الآخر بعلاقة قوية بالشقيقة الكبرى لصديقة روفا.
ووضعت – على أساس المعلومات المعطاة – خطة أولية لاصطياد منير روفا بواسطة صديقه المفلس عن طريق إغراؤه بالمال و في محاولة "جس النبض" أظهر يوسف منشو يهوديته التقليدية عندما وافق على التعاون مع الموساد مقابل تسديد ديونه و مساعدته في الهجرة الى إسرائيل.
لم يكن هناك أدنى مشكلة إذن فالتاجر اليهودي الذي حصل على المال كتب تقريراً وافياً عن صديقه روفا، كشف عن جوانب شخصيته و نشأته و ظروفه وهذه كلها معلومات قيمة ساعدت على تحليل الطيار الشاب نفسياً ودراسة أفضل الطرق للتسلل اليه لاجتذابه أولاً ثم الانقضاض عليه.
وطُلب من يوسف منشو الظهور بمظهر التاجر الثري الذي تمكن من عقد صفقة تجارية مربحة، وأن يتولى الإنفاق بسخاء على صديقه وإقراضه للإنفاق على صديقته ومغامراته النسائية المتعددة.
ففي الوقت الذي كان فيه الطيار الشاب، غارقاً في مطارداته و ديونه ليوسف كان الأخير قد استعاد نشاطه التجاري و قام بمعاونة الموساد بتصدير صفقة تمور الى إيران في باطنها عملية تمويهية لإظهار الثراء و الالتقاء بأحد خبراء الموساد هناك. حيث أطلعه يوسف على تطورات أحوال روفا و نقاط ضعفه و لتدارس خطة محبكة وضعت خطوطها العريضة في إسرائيل، تقضي بأن يسافر روفا الى باريس، وهناك سيتولى آخرون أمره.
رجع يوسف منشو الى بغداد، وأخبر روفا – حسب الخطة – بأنه بصدد عقد صفقة تمور ضخمة مع شركة إنجليزية، سيصل مندوبها قريباً الى بغداد للتفاوض معه وتوقيع العقد، طالباً منه أن يقوم بعملية الترجمة بينهما عند وصوله.
كان الموساد يبذل كل ما في وسعه لإنجاح العملية هذه المرة واستعد لها بكامل إمكانياته البشرية والمادية وفي سبيل تحقيق ذلك أعدت دراسة مستفيضة شملت كل جوانب حياة منير روفا و نقاط ضعفه وخلصت الى نتيجة مفادها أن خير سبل الإيقاع به هي ليزا برات
و في الثالث والعشرين من مارس عام ١٩٦٦ وصلت "ليزا برات" الى مطار بغداد الدولي تحمل جواز سفر بريطاني و تفويضاً من الشركة الوهمية، بالتوقيع على عقد تصدير شحنة من التمر العراقي الى لندن.
أنهى ضباط الجوازات والجمارك إجراءات الفاتنة الإنجليزية و كان بانتظارها يوسف منشو و منير روفا
لم يكن يوسف منشو يتحدث الإنجليزية لذا كان على منير روفا مهمة ملازمته بمكتبه للاتفاق مع المندوبة الإنجليزية و توقيع العقد و وجدها روفا فرصة رائعة للتقرب إليها
لقد كان من الصعب بل من المخاطرة أن يصطحب طيار حربي عراقي فتاة أجنبية في نزهة خلوية ببغداد لذلك فقد حرص روفا على إفهامها حقيقة وظيفته والسبب في عدم قدرته على الخروج معها. فأبدت تفهمها للأمر وأهدته ساعة يد ثمينة وهي تشكره على اهتمامه بها ومساعدتها في إنجاز عملها خلال زمن قياسي.
ففي اليوم التالي لوصولها كان قد تم الاتفاق، المبدئي و وقع على العقد بعد ثلاثة أيام
وفي المساء أقيم بالمكتب حفل عشاء للاحتفال لإتمام الصفقه استطاعت فيه ليزا الايقاع بروفا و إقناعه اللحاق بها في باريس
وما إن عاد منير روفا الى عمله حتى تقدم بطلب صحي لعرضه على الأطباء بدعوى أن الصداع النصفي يفتك برأسه ويكاد يصرخ منه ألماً وفشل الفحص الطبي في علاج الصداع المزعوم أو تحديد أسبابه مما عجل بالموافقة على التصريح لروفا، حسب رغبته بالسفر الى باريس في أجازة لمدة أسبوعين للراحة والعلاج.
وفي ١٩ أبريل ١٩٦٦ طار منير روفا الى باريس،
لم تكن ليزا وحدها في انتظار روفا فقد صحبها ستة ضباط من الموساد بينهم أحد خبراء الاستخبارات الجوية الإسرائيلية.
وعند تقاطع شارعي جيرمان وميشي، في منتصف المسافة ما بين حديقة لوكسمبورج ونهر السين، يقع فندق ديكلوني الشهير المواجه لجامعة السوربون، حيث أعد جناح بالطابق السابع لاستقبال الضيف العزيز، تم زرعه بكافة أجهزة التنصت والتصوير، وجُهِّزت الغرفة الملاصقة لتكون مركزاً للمراقبة والتسجيل بإشراف فريق من ثلاثة فنيين بينما نزل ضباط الموساد بعدة بيوت آمنة لا تبعد كثيراً عن الفندق.
بداءت ليزا في احكام شباكها علي روفا عندما أخبرته انها قد وقعت في غرامه و لن تسطيع ان تتخيل الحياه دونه و لكن كيف يمكنهما العيش معاً و ما هي سبل الهروب ؟ استمرت في التأثير عليه و أقناعه ان بإمكانهم الهروب الي اسرائيل حيث قد نما الي علمها من بعض الاصدقاء انهم يعرضون علي الطيارين العرب مبلغ مليون دولار جراء الهروب و العيش في اسرائيل ، اندهش روفا من ضخامه المبلغ و لم يبدي اي اعتراض علي الفكره مما ساعدها علي الإنتقال الي الخطوه الثانيه من الخطه و هو لقاء روفا مع اثنان من عملاء المخابرات و تم اللقاء بالفعل و تحدث الاثنان مع روفا و عرضا عليه التعاون معهم نظير الهروب و العيش في دوله اسرائيل و الحصول علي مبلغ المليون دولار مع التمتع بمزايا لا حصر لها و لكن بشرط ان يأتي بالميج 21
اخبروه انهم سوف يقومون بتأمين طيراناً آمناً عبر الأجواء الأردنية و ستكون طائراتهم الميراج في شرف استقباله من أجل حمايته في الجو.
اجاب روفا متردداً: من يضمن لي المليون دولار بعدما أهرب. . ؟
ليأتيه الرد :
رئيس الوزراء شخصياً إننا ندعوك لقضاء عدة أيام بإسرائيل، و سيقوم رئيس الوزراء بلقائك، لتسمع منه تأكيدات الضمان.
أجاب روفا:
أخشى أن أكون مراقباً من أحد رجال مخابراتنا، فقد جئت الى باريس بدعوى الفحص الطبي والعلاج.
فأجابه أحدهم :
ليس للمخابرات العراقية نشاط ملموس في فرنسا، سنؤمن لك وثيقة سفر ولن يشعر أحد بغيابك عن باريس، فضلاً عن الأوراق الطبية التي تؤكد أن رحلتك لفرنسا كانت للعلاج.
وفي إسرائيل ستختار بنفسك الفيلا التي تروق لك، و يتكلم معك فنيو سلاح الجو، بخصوص الممر الجوي الذي ستسلكه، والتردد اللاسلكي للاتصال بهم، وكذا القاعدة الجوية التي ستهبط بها.
غمغم الطيار العراقي وهو يزفر:
أعتقد أن المسألة شبه مستحيلة فهناك مشاكل عديدة لا حلول لها.
فتم طمأنته :
سنذلل العقبات التي تؤرقك و لن نترك مشكلة واحدة – ولو تافهة – إلا وناقشناها معك و وضعنا لها حلولاً
اجاب روفا ضابطي الموساد:
أنتما لا تعلمان بأنني لم أحصل بعد على ترقية قائد سرب، وأنني مقيد بالطيران لمسافات قصيرة، حيث أحصل على وقود لمسافة ٥٠٠ كيلو متر فقط. عند ترقيتي تُضاعف كمية الوقود، أي أستطيع الطيران لمسافة ألف كيلو متر ، في جميع الحالات لن أتمكن من الوصول اليكم، لأن المسافة تزيد على الألف كيلو متر بين كركوك وأقرب قاعدة جوية في إسرائيل.
كان منير روفا يتكلم بصدق فعلاً
حاول الضابطان ان يتوصلا معه الي حل لهذه المشكله
أجاب روفا:
انه بالفعل تقدم بطلبات عديدة للانتقال الى قاعدة الرشيد الجوية بالقرب من بغداد، متعللاً بظروف والده الصحية، و تم وعده أكثر من مرة بالنقل، ومنذ شهر تقريباً علمت أن نقله مرتبط بترقيته فعلياً لقائد سرب، وهذا لن يكون قبل مرور شهرين على الأقل من الآن.
ثم استوضح وضع عائلته فهو يرغب في نقلهم معه
وأخبرهم إن يريد إخراجهم من العراق أولاً لان السلطات العراقية لن تتركهم بعد هروبه فتمت الموافقه علي طلبه و بالفعل تم تجهيز روفا للسفر الي اسرائيل من فرنسا
و عقب وصوله اصطحبه الضابطان اللذان قابلاه في فرنسا الى شارع شاؤول، حيث يقع المبنى الرئيسي الجديد لجهاز الموساد، وكان بانتظاره مائير عاميت و كبار مستشاريه وضباطه.
لم يناقشوه في أية مسائل فنية تتعلق بعمله في العراق، أو بمسألة هروبه الى إسرائيل بطائرته، إنما انحصر حديثهم معه حول الأقليات في الدولة العبرية و كيف أن المسيحيون العرب ثاني أقلية كثافة في إسرائيل إذ يبلغ عددهم نحو ١٣٠ ألف مسيحي يشكلون حوال ينصف سكان الناصرة، وثلثي العرب في حيفا.
تحدثوا معه أيضاً عن حرية العبادة في إسرائيل، التي كفلها دستور الدولة لجميع الديانات، حيث يحق لكل طائفة أن تمارس عقيدتها وشعائرها، وأن يكون لها مجلسها ومحاكمها الشرعية، التي تتمتع بسلطة قانونية في إدارة شؤونها الداخلية والدينية.
وكان عاميت ذكياً بما فيه الكفاية، عندما استقدم بعض الضباط اليهود عراقيو الأصل، لحضور لقاءه بالطيار الشاب وكان يرمي من وراء ذلك، إفساح المجال أمام روفا للتحلي بالأمان بين أناس يتكلمون بلهجته، وإبعاد أية إحساسات بالخيانة قد تهاجم أفكاره. ثم تم الترتيب للقاء رئيس الوزراء ليفي أشكول
وعلى مدار خمسة أيام في إسرائيل اجتمع به خلالها مردخاي هود قائد سلاح الجو، حيث صحبه الى القاعدة الجوية التي سيهبط بها وتناقشا معاً حول المسائل الفنية المتعلقة بالممر الجوي والارتفاع فوق الأجواء الأردنية والتردد اللاسلكي، وأسلوب التعامل – كاحتياط – مع الطيران السوري في حالة تدخله والسرعة اللازمة لتفادي الاحتكاك والمواجهة. كذلك شرح له كيفية مباغتة زملائه الطيارين العراقيين، والهرب منهم باتجاه الأردن.
وقبلما يغادر روفا تل أبيب، سلّم عاميت قائمة بأسماء "٢١" فرداً، هم أفراد عائلته، وعائلة زوجته، الذين سيتم تهريبهم خارج العراق يوم هربه بالطائرة الميج. وضمت القائمة والداه وأخوته الثمانية، وزوجته وولديه، وحمواه وأولادهما الستة، وسجل رسائل صوتية لهم، وكتب رسائل بتوقيعه، يطلب منهم مرافقة حامل شريط الكاسيت أو الخطاب، دون سؤاله عن وجهته أو معارضته.
كذلك تم ترتيب أسلوب الاتصال به حين طلبه ذلك، بعدما يتم نقله الى قاعدة الرشيد الجوية، وعندما يحدد المواعيد المقترحة بفراره.
وفجر الثالث من مايو ١٩٦٦ طار روفا عائداً الى بغداد
كانت لدى مائير عاميت خطة واحدة، لا بديل لها، لإخراج عائلة روفا من العراق، حال تأكده من إيجاد الفرصة المناسبة. والخطة تعتمد ببساطة شديدة على أذون مزورة بإحكام بمغادرة "٢١" فرداً الى إيران للاصطياف
(يتبع)
فى النهاية نتمنى ان تكون القصة نالت على اعجابكم والى لقاء متجدد مع المزيد من القصص المثيرة والمبدعة.