ان الانسان عند الانفعال قد يكون معه الحق ولكنة عندما يتعصب من الممكن ان يضيع حقة بأنفعالة وعدم حكمة على الامور بطريقة سليمة فيجب على كلا منا الا ينساق وراء انفعالاتة وان يهدء حتى يستطيع ان يحكم على الامور بصورة ايجابية وقد اتينا اليكم اليوم بموقف من حياة رسولنا الكريم محمد صلى الله علية وسلم وكيف انه بحكمتة قد اخمد الفتنة فى مهدها:
كان جيش المسلمين عائداً من غزوة بني المصطلق، بعدما أنهى مهمته على أكمل وجه، وفي الطريق تشاجر غلامان من المسلمين؛ أحدهما من المهاجرين والآخر من الأنصار، أمر عادي لا يحمل بداخله ما يعكّر الصفو؛ اللهم إلا إذا تدخلت النوايا الخبيثة، ومع الأسف كانت حاضرة آنذاك..
فقد كان بصحبة الجيش عبد الله بن سلول، أحد أكثر من يكرهون الإسلام ونبيه، والذي لم ينس -على الرغم من نطقه للشهادة- أن محمداً عليه الصلاة والسلام قد قضى تماماً على أحلام زعامته على يثرب، وهو الذي كان سيتوّج كبيراً على أهلها قبل وصول النبي بقليل.
بدت الفرصة سانحة لأن يحرّك ابن سلول بعضاً من عصبية الجاهلية؛ فصرخ قائلاً: “أوَقد فعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما مَثَلُنا ومَثَلُ محمد إلا كما قال القائل: “سَمِّن كلبك يأكلك، جوّع كلبك يَتبعك”.. يقصد هنا أن العيب على أهل المدينة الذين أعطوا الفرصة لمحمد وأتباعه حتى صارت المدينة وكأنها مُلك لهم، والحل الأمثل أن يضيّقوا عليهم ولا يطيعوا للنبي أمراً، ثم قال متوعداً: “أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعزّ منها الأذلّ”.
كانت كلمات ابن سلول تقطر كرهاً وعداوة؛ لكنه كان ذكياً؛ فلم يفرغ ما بقلبه إلا أمام من يأمن جانبهم من أتباعه؛ لكن الصحابي الجليل زيد بن أرقم سمع ما قاله ابن سلول وكان وقتها غلاماً صغيراً؛ فأسرع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخبره بما قاله الرجل، وهنا غضب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقال للنبي: “دعني يا رسول الله أقطع عنقه”؛ لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال بحزم: “كيف يا عمر إذا تحدّث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه؟”.
وأحسّ النبي أن الفتنة تتردد بين الجيش، وأن الهمس يتزايد؛ خاصة بعدما أنكر ابن سلول أنه قال ما قال، وقبل أن تنتشر الأقاويل، أمر النبي أن يتجهز الجيش للمسير؛ فقاموا ولم يكونوا قد نالوا راحتهم بعد، وعندما دنت الشمس للمغيب وتأهبوا للراحة، أمرهم النبي باستمرار المسير؛ حتى إذا تهالكوا تماماً أمرهم بالراحة، وبالفعل غرق الجيش في سبات عميق، وقبل أن ينالوا نصيبهم كاملاً من النوم، أمر النبي بالتحرك، وهكذا لم يكن لدى أحدهم أي وقت للحديث أو الكلام؛ فما بين إرهاق المسير، والثبات العميق، غرق الجيش!!
وعاد الجيش للمدينة، وبدأ الناس -بعدما هدأت النفوس- في تدبّر الحادثة التي مرّت عليهم، وبدا لهم كيف أن ابن سلول كاد بخبثه أن يفرق بين الإخوة، ويزرع بذرة الشر والتشاحن بين أبناء الفصيل الواحد.
وكان من عادة ابن سلول قبل خطبة الجمعة وقبل صعود النبي للمنبر أن يقوم مطالباً الجموع بالصمت والاستماع إلى كلام رسول الله؛ كنوع من الظهور، وطلباً للزعامة حتى لو في شكل صوري؛ لكن المدهش أنه عندما قام هذه المرة -أي بعد عودة الجيش وانطفاء الفتنة- قابله الناس بالسخط والغضب؛ قائلين له: “اسكت يا عدو الله، اجلس ولا تقم ثانية”، وزجروه بعنف وقسوة.
وهنا مال النبي عليه الصلاة والسلام على أُذُن عمر بن الخطاب قائلاً: “كَيْفَ تَرَى يَا عُمَرُ؟ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ قَتَلْتُهُ يَوْمَ أَمَرْتَنِي بِقَتْلِهِ، لأُرْعِدَتْ لَهُ آنُفٌ لَوْ أَمَرْتُهَا الْيَوْمَ بِقَتْلِهِ لَقَتَلْتُهُ!”.
من هذه الحادثة فليتعلم مَن يريد نصرة قضية ما، أن الانفعال والتعامل مع الأزمات بردود أفعال غير محسوبة، من شأنه أن يصنع أزمة أو فتنة ربما تذهب به وبأهدافه إلى غير ما يأمل.
لقد قضى النبي عليه الصلاة والسلام على الأزمة بطرق عدة؛ أولها بأن أنهك الجسم والعقل فلم يُتِح للفتنة مجالاً لتَكَبّر، أو على أقل تقدير لم يترك لها مجالاً والنفوس مشحونة؛ خاصة أن جيشه لم يزل حديث عهد بالجماعة، وقد كانوا من قبل مشتتين بين أوس وخزرج، وزاد عليهم مهاجرو مكة، والطبع القديم قد يغلب ويسيطر، خاصة في حضرة من يؤرّقه ثبات الحال وصفاء الجو.
ثم هدّأ النبي من ثورة المخلصين من رجالات الدعوة؛ مؤكداً لعمر بن الخطاب -وقد كان رجلاً واضحاً حار الدماء- أن السمعة مهمة، وقتل رجل منافق ولو بالدليل والبرهان وإقامة الحجة قد تكون أضراره أكثر وأثره أخطر.
ثم عندما وصلوا إلى المدينة وطالب بعض المسلمين -وعلى رأسهم ابن عبد الله بن سلول- أن يطردوا الرجل أو يقتلوه، قال النبي لهم: “لا.. لا.. بل نُحسن صحبته ما دام معنا”؛ مدلالاً على أن الدعوات يجب أن تكون صافية القلب، وبأن الانتقام والتشفي هو آخر ما يمكن أن يُنظر إليه.
ثم جاء كره الناس للمنافق، وبُغضهم له، ولومهم وتقريعهم المستمر؛ ليؤكد أن الحقيقة لا بد أن تظهر جلية؛ شريطة أن نفسح لها الطريق، ونُظهرها، ونسلّط عليها الأضواء.
لا يكفي أن يكون الحق إلى جانبك كي تنتصر؛ تحتاج أيضاً إلى عقل سديد، وبُعد نظر، وفطنة، وثبات أمام ما تأتي به الظروف والحوادث.
ولا يكفي أن يكون حولك المئات أو الآلاف لتضمن النصر؛ فما أيسر أن تفقدهم وتصيبهم عدوى الفُرقة، وينتشر فيهم فيروس الفتنة؛ خاصة إذا ما كانوا حديثي عهد بالائتلاف والوحدة، وكان في المعسكر الآخر مَن هم خبراء في الخداع والمكر.
نحتاج جميعاً -بعد توفيق الله وفضله- إلى أن نقرأ المشهد قراءة كاملة، ونرى فيما بعد حدود رؤيتنا، ونشقّ ببصيرتنا جوف المستقبل، ونبذل أقصى ما نستطيع من قدرتنا في الحفاظ على ثباتنا وانفعالنا، ثم ندع العقل يجتهد ويفكر.. ويخرج بقراره الواعي المنضبط.
فى النهاية نتمنى ان تكونوا استفدتم معنا فتابعونا حتى يصلكم كل جديد ومفيد وعصرى.