ان كل ما يلقى الينا فية الغص وفية الثمين فيجب على كل فرد ان يستصيغ الكلام ويعرضة على عقلة حتى يتحقق منه فان كان جيد عمل بة وان كان رديئ تركة فيجب ان نحكم على كل ما يعرض علينا حتى تحلو لنا الحياة ونصيب منها كل ما هو خير:
قراءة كتب التاريخ لا تكتمل إلا بقراءة ما بين سطورها، ووعي وفهم شديدين للخطوط العريضة التي تترجم الأحداث والمواقف، ومن ثم الوقوف على المبادئ والأطر الحقيقية التي صنعت الأحداث.
محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يجد الطريق للتغيير ممهدا أو مفروشا بالورود، بل كان شاقا، عصيبا، وعرا، لكن فضل الله عليه تجلى بأتباع يمتلكون الكثير من الوعي والفقه والفطنة، وفوق هذا التحرر العقلي من عصبية جاهلية، وترديد أجوف لمصطلحات مُعلبة سخيفة، ولذلك لم يكن مستغربا أن ينضم إليه جميع فضلاء مكة في مراحل الدعوة الأولى؛ وذلك لأن مبادئهم اتفقت مع ما كان يدعو إليه، فأبو بكر، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، ومصعب بن عمير، وهم من أغنياء وفضلاء مكة، كانت سيرتهم الحسنة الطيبة، ومواقفهم النبيلة، خير برهان على أن الدعوات الإصلاحية بلا شك ستجد بين عشية وضحاها أتباعا مؤمنين، يعطونها الغالي من أموالهم ودمائهم؛ بغية أن تنتشر وتعلو وتعمّ العالم بأسره.
والخوف كل الخوف على الدعوات الصادقة، والثورات الشريفة، ألا تجد عقلاء يحيطونها، ويتدافعون بإخلاص وبإنكار ذات شديد؛ من أجل أن تحتفظ بنورها الوضاء، دون تشويه أو عبث.
والقاعدة تقول إن لكل ثورة أعداء، ووسائل إعلام مضادة، وعوام من البشر تُصدّق وتعادي وتهاجم، وجملة من الأكاذيب والشائعات تُروّج، واتهامات تطال رموزها الكبار، وقاعدتها من الأعضاء والنشطين.
والحل أمام كل هذا أن يمتلك المرء منا عقلا يفكر، وذهنا يزن الأمور، ومنطقا يحاجي به، وفوق هذا إخلاص وتجرد يدفعانه إلى مراجعة مواقفه بشكل دائم؛ بغية التصحيح والتعديل والاعتذار حال الخطأ، والعودة إلى جادة الطريق المستقيم إذا ما حاد عنه في مرحلة ما من حياته.
يجب أن يكون شعار كل واحد فينا هو شعار الطفيل بن عمرو!!
والطفيل بن عمرو هو أحد كبراء قومه، كان يأتي إلى مكة من أجل تجارته، وكان رجالات قريش يعرفونه، ويحفظون له مكانته الكبيرة، ولذلك تلقوه عند دخوله مكة بالتخويف من الشاعر المجنون الذي يتلو كلاما هو السحر، فيفرق به بين المرء وزوجه، والأم وأبنائها!!
قالوا له: “أبا الطفيل، إنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلّمه ولا تسمع منه”، فما كان من الرجل وأمام تخويفهم إلا أن حشا أذنه بالقطن، وذهب إلى الكعبة ليؤدي واجب الطواف، وهناك وجد النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي، فتأكد الطفيل من إحكام القطن حول أذنه، وبدأ في الطواف متجنبا أن يسمع من كلام النبي شيئا، حتى لا يصاب بسحره!
ولأن الطفيل ليس إمعة، فلقد توقف موبّخا نفسه، ضاربا بيده على جبهته لائما نفسه، وهو يقول: “ويحك.. أوليس لك عقل؟! إنني رجل لبيب شاعر ما يخفي عليّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته”.
فرمى القطن من أذنه، وذهب إلى النبي وسمع منه ما شاء أن يسمع، وسأل عما يريد، وحاور النبي في أمر ما يدعو إليه، حتى اقتنع.. فأسلم!
أوليس لك عقل.. بهذه الكلمة -أو لو شئنا الدقة بهذا المفهوم- أفرج الرجل عن وعيه، وأطلقه ليوازن، ويحلل، ويختار، دون وصاية من أحد مهما كان حجمه أو مقداره..
وبنفس هذا المفهوم يجب أن نعيش يا أصدقائي، نحن الشباب رجالات هذه الثورة من العار أن يوجّهنا هذا أو ذاك، أو يعبث بوعينا أحد، أو يحيط بنا من خلال وسائله فيسلب منا القدرة على التفكير ويعطينا كلاما مُعلبا جاهزا، مشوها كل الرموز، وطامسا كل الجهود، ومُخربا كل جميل يحيط بنا.
لك عقل يا صاحبي.. أخرجه من كهفه ودعه يعمل، سلّحه بالمنطق، والوعي، دعه يرى وبشكل مختلف حقيقة الأجندة الغربية التي يتحدثون عنها، والأصولية الإسلامية التي يخوّفوننا منها، والمنحدر الصعب الذي يبشّروننا بالسقوط فيه.
لك عقل.. وهو لو تدري أعظم هبة أودعها ربنا -جلّ اسمه- لدينا، والخطأ كل الخطأ أن نُعطله، ثم ننضمّ للقطيع..
أوليس لك عقل.. سؤال ردده على نفسك دوما، دعه يوقظك من سبات التبعية، وينبّهك من خطر الانسياق خلف من يُحسنون تدبيج الكلمات.. ويحميك من لؤم أصحاب الأهواء.
فى النهاية نتمنى ان تكونوا قد استفدتم معنا فتابعونا حتى يصلكم كل جديد ومفيد وصحى وعصرى.