ان الكثير من الاباء لا يعرفون كيف يتفاعلون مع ابنائهم فكلا منهم فى وادى سحيق عن الاخر لا يدرى عنة شئ ودئما ما يقارن الاباء بين ايام التربية فيما مضى والتربية فى الوقت الحاضر فلنتعرف سويا على اهم ما جد فى حياتة اطفالكم وكيفية مواجهة تللك التغيرات والمعايشة معها اثناء تربية اطفالنا حتى يصيرم افراد مندمجين فى مجتمعاتهم مفيدين لآنفسهم ولمجتمعاتهم ولآوطانهم:
لا أظن أن هناك كلمة تثير غيظ الأبناء ككلمة “على أيامنا” التي يلقيها عليهم آباؤهم؛ ليؤكدوا من خلالها أنهم نتاج زمن “أغبر، سيئ، شاذ” وبأنهم يجب أن يخجلوا قليلا!!
ولأنني أحاول أن أكون أبا صالحا قدر الإمكان، فلقد قررت أن أبحث خلف ما تغير عن “أيامنا” و”أيامهم”، ولأني لا أملك رؤية أيامهم السابقة -أيام آبائي أقصد- قررت أن أنقل المقارنة بين أيام أبنائي -في طفولتهم المبكرة- وبين أيامي أثناء طفولتي الأولى.
وجدت في أيامي أننا كنا نعيش في بيئة منغلقة تماما، تلفاز صغير يحتوي على قناتين أرضيتين يبدآن البث في وقت معلوم ويُغلقان في وقت محدد، قصص الأطفال كانت كذلك محدودة، فجميع الأطفال في فترة ما يقرأون (ميكي ـ سمير ـ ماجد)، ثم ينتقلون إلى (المغامرون الخمسة، الشياطين الـ 13، رجل المستحيل)، الجميع يشاهد نفس الرسوم المتحركة (مازنجرز ـ كعبول ـ جريندايزر ـ كابتن ماجد)، يقصون على بعضهم نفس الحكايات والألغاز، كان أصدقاؤنا معروفين لجميع أفراد الأسرة، لذا كانت مراقبة تحركاتنا سهلة يسيرة، كل هذا جعل أمر ضبط نفسيتنا كأطفال ومراقبتها وتعليمها وتهذيبها أمرًا ممكنا، حتى المخاوف والاضطرابات التي كانت تنتابنا كأطفال كانت مفهومة للكبار، ويمكنهم دون استشارة أي خبير أو قراءة أي كتاب التعامل معها.
لكنني إذ أعود لأنظر لأبنائي أرى الفاجعة، حيث تغيّر الأمر تماما، وصار ما يلاقونه في الحياة ويتعرضون له مختلفا تماما، وما يعني ليس هو الاختلاف -رغم أهميته- وإنما إلى ما يذهب إليه هذا الاختلاف ويتركه على نفسياتهم من آثار تعمل على تزعزع قيم الأمان والثبات الروحي والنفسي لأبناء هذا الزمان، وكان مما تغير:
أولا: صار تعرض الصغار لمواقف ومعلومات الكبار -والتي تحتاج إلى قدرات ذهنية وشعورية لفهمها- متاحة وكثيرة، وصاروا يتعرضون لجميع السلوكيات الإنسانية التي لا يمكن تخيلها، ومع الأسف يحدث هذا في الوقت الذي لا يملك فيه الطفل القدرة على إصدار حُكم ناضج على ما يراه، مما يزعزع مع الوقت من أمانه وطمأنينته الروحية.
ثانيا: خطورة ما يتعرض له الطفل من القيم المتضاربة التي يراها وتنتقل إليه عبر الجرعة الإعلامية الضخمة التي يشاهدها، والتي تقف كحائط صد عملاق أمام ما نلقّنه إياه عن معايير الخير والشر، والخطأ والصواب، والحلال والحرام، وما يصح وما لا يجوز، وأمام هذا التضارب تزداد حيرته واضطرابه.
ثالثا: زادت في زمننا هذا نسب الطلاق، وما تشكله هذه الأزمة في نفسية الطفل، كذلك حالات الانفصال العاطفي بين الأبوين، حيث يعيشان في بيت واحد لكن أرواحهما بعيدة، والطفل ذكي في ملاحظة هذا الأمر، وهذا أيضا مما يقلق أمنه، ويزعزع من مفهوم الأمان والاستقرار لديه.
رابعا: الكميات الهائلة من العنف والوحشية التي يتعرض لها في وسائل الإعلام وألعاب البلاي ستيشن، النظريات الإعلامية تؤكد أن تعرّض المرء -طفلا كان أو مراهقا أو ناضجا- لمضمون إعلامي مستمر ومكثف يعمل على ترسيخ هذا المفهوم لديه، فيهمّ بشراء السلعة، أو الإتيان بالسلوك الذي يتعرض له، فما بالك والطفل يتعرض في كل ثانية لمضامين إعلامية تعتمد على العنف، والقسوة، والتوحش، كل هذا يغرس بداخله مفاهيم في غاية السوء والخطورة..
أضف إلى هذا كمية التحديات التي نواجهها نحن الآباء، فتصنع نوعا من التوتر في الحياة بشكل عام، وحياة أبنائنا بشكل خاص، أضف أيضا كمية المثيرات الطبيعية والصناعية من حولنا؛ كالضوضاء والمؤثرات الصوتية والسموم البيئية، وغيرها من المتغيرات التي لم نرها على أيامنا.
كذلك ثورة الاتصالات التي جعلت من أمر ضبط حدود علاقات الابن ومتابعته أمرا مرهقا.
ولن أزيد في تشويه الصورة أكثر بالمقارنة بين مدرس الأمس والذي كنا نهرب من أمامه لو صادفناه في الشارع رهبة واحتراما، وبين مدرس اليوم، الذي يتعامل معه الطالب بمبدأ “الصفقة” “أنا أحضر درسا خصوصيا وأعطيك المقابل، أنت تعطيني ما يساعدني على النجاح”، فتحطمت القيمة المعنوية والتربوية للمدرس، وكذلك للطبيب، والموظف العام، وضابط الشرطة وغيرها..
“على أيامنا” لم نواجه كل هذه الأزمات والتحديات، وبالتالي ليس من الإنصاف الاتهام السريع لأبناء هذا الزمان بأنهم “ليسوا على ما يرام”، ولو صدّقنا فعلا أنهم ليسوا على ما يرام فهذا لأنهم مساكين.. لا لأنهم شياطين!!
نحن -المربين الصغار- الذين تذمرنا كثيرا من سماع كلمة “على أيامنا” التي ألقاها آباؤنا على أذهاننا يجب أن ننتبه من إلقائها على آذان أبنائنا، وذلك بالفهم العميق لواقعهم، والتغيّرات التي تحدث في حياتهم، والدوران السريع لعجلة التغيير من حولهم.
نحتاج أن نفهم جيدا ما نعتقد أنه سلوك غير طبيعي -من وجهة نظرنا- ولا نجد تجاهه أكثر من مصمصة الشفاه، وضرب الراحة بأختها، والتمتمة بقلة حيلة: “لم نكن هكذا ونحن في سنكم”!!
فى النهاية نتمنى ان تكونوا قد استفدتم معنا فتابعونا حتى يصلكم كل جديد ومفيد وعصرى.