سرقة السماء الجزء الاول حيث دئما مصالح الدول تتشابك فيما بينها مما يحتاج معها الى تجنيد جواسيس فى الدول الاخرى لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب الدول المخترقة ولذلك نجد ان الجاسوسية منتشرة بين جميع الدول منذ فجر التاريخ نجد الكثير من القصص التى اكتشفت وما خفيا كان أعظم بالطبع ومن قصص عملاء الموساد قصة سرقة السماء الجزء الاول:
منير جميل حبيب روفا (١٩٣٤ – ١٩٩٨) .. جاسوس إسرائيلي من أصل عراقي تمكن في عام ١٩٦٦ من الهروب بطائرة ميغ 21 تابعة للقوات الجوية العراقية إلى مطار إسرائيلي في عملية منظمة من قبل الموساد واشتهرت بعملية 007، اعتبر الموساد هذه العملية المخابراتية واحدة من أنجح عمليات الموساد
تمكنت المخابرات الأسرائيلية من تهريب جميع أفراد عائلة منير روفا من العراق إلى إسرائيل و قام الموساد بإعارة الطائرة المختطفة بصورة مؤقتة لوكالة المخابرات الأمريكية بغرض إجراء التحليلات الفنية والهندسية المتعلقة بنظريات الطيران و الخاصة بتصميم الطائرة.
بعد هبوط الطائرة عقد مؤتمر صحفي سمح لمنير روفا بالتحدث لفترة وجيزة تحدث فيها عن دوافعه لخيانة بلده وسلاحه مدعيا بأنه كان يعاني من التفرقة الدينية وأنه يشعر بأن العراق ليس بلده لذلك طلب اللجوء والهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية و بعد فترة وجيزة التحقت عائلته به في إسرائيل و تم منحه الجنسية الإسرائيلية و كوفئ بمنحة مالية.
منير روفا كان ضابطا طياراً عراقياً برتبة نقيب من مواليد بغداد عام ١٩٣٤ من عائلة ينحدر أصلها من الموصل قرية تلكيف لأسرة كلدانية كاثوليكية فقيرة، وهو ابن خالة نائب رئيس الوزراء في النظام البائد طارق عزيز و شقيق زوجته و كان ترتيبه الثاني ضمن تسعة أبناء لموظف بسيط عوقب بالطرد من وظيفته في وزارة الزراعة والحبس لعدة أشهر بسبب تلقيه الرشاوى.
متزوج وله بنت و ولد، أصول عائلته جاءت لاجئة للعراق مع الكثير من العوائل التي كانت تقطن جنوب شرق تركيا وجبال شمال غرب إيران بقرار من عصبة الأمم بسبب الأذى الذي عانت منه تلك العوائل أثناء العمليات العسكرية للحرب العالمية الأولى فتم توطينهم في القرى المسيحية المحيطة بالموصل، ويعتقد بعض المحللين إن هذا الأمر جعله يعاني من عقدة المواطنة ورغبته الجامحة للهجرة
قبل التوغل في ظروف و ملابسات تجنيد منير روفا يجب إلقاء الضوء علي عده نقاط
أولاً : فتره الستينيات من القرن العشرين حيث كان الصراع على أشده بين القوتين العظميين الاتحاد السوفييتي و أمريكا اشتدت حروب العقول السرية بين الدولتين لتصل الى الذروه في أول مايو عام ١٩٦٠ عندما وقع حادث غريب هو الأول من نوعه ففي ذلك العام أسقط السوفييت طائرة تجسس أمريكية طراز (U-2 1) التي تضم أحدث ما وصل اليه العلم من ابتكارات، أهمها كاميرات غاية في التعقيد تلتقط الصور على ارتفاع آلاف الأميال بدقة متناهية وبوضوح مذهل بينما تطير بسرعة ألف كيلو متر في الساعة.
كان قائد الطائرة – النقيب فرانسيس جاري بورز – مطمئن للغاية وهو يحلق في أجواء الاتحاد السوفييتي فقد طمأنه رؤسائه أن لا الصواريخ و لا المدفعية المضادة تستطيع أن تلحق بطائرته الأذى. وبالرغم من ذلك شملت أدواته الى جانب المسدس، كبسولة صغيرة معبأة بالسم طلب منه أن يتناولها عند اللزوم لكن بورز لم يفكر بالانتحار، وهو يقفز بالباراشوت ويمسك به الأهالي ويعترف للسوفييت بأنه طار فوق أجوائهم مرات عديدة من قبل و كانت مهامه الأساسية هي الحصول على صور لمواقع الصواريخ و المطارات التي ترابض بها طائرات "ميج 21". . بالذات. (!!)
ثانياً كان السؤال: لماذا الطائرات ميج 21.. ؟
ولماذا لا تكون طائرات السوخوي الاعتراضية Su-11 .. ؟ أو طائرات سوخوي المقاتلةSTOL . . ؟
أو قاذفات توبولوف TU-16، التي طار تشكيل منها مكون من ٥٤ طائرة فوق موسكو يوم الطيران السوفييتي عام ١٩٥٩. . ؟
في الولايات المتحدة كان حادث إسقاط الطائرة (U-2 1) محيراً، فالطائرة بارتفاعها الشاهق كانت بعيدة عن صواريخ السوفييت الأرضية، وعن مجال صواريخ طائراتهم الاعتراضية أو القاذفة، ذات المدى المحدود في ذلك الوقت.
وبرغم تشكيك الأمريكان في قدرة السوفييت العسكرية، ظنوا بأن الطائرة ميج 21 – المجهولة بالنسبة لهم – أدخل عليها السوفييت تقنيات جديدة معقّدة فتفوقت بذلك على طائراتهم سكاي هوك SKY HAWK والفانتومPHANTOM، بل و على الطائرات الفرنسية ميراج 3 MIRAGE – III – C الجبارة.
و في الوقت الذي تأزمت فيه العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، خاصة بعدما قرر الرئيس الأمريكي "دوايت أيزنهارو" – (١٩٥٣ – ١٩٦١) – أن الطيران فوق الاتحاد السوفييت هو من صميم السياسة الأمريكية كانت المخابرات المركزية تسعى للتوصل الى أسرار تلك الطائرة الخرافة – ميج 21 – مهما كلفها ذلك و كان من صميم عمل الـ C.I.A. أن تظل الولايات المتحدة في الصدارة عكسرياً وسياسياً واقتصادياً وعلمياً.
لكن التفوق السوفييتي في مجال الطائرات الحربية كان يشكل كابوساً مزعجاً ليس لأمريكا فحسب بل لدول حلف الأطلسي ولإسرائيل أيضاً.
فبينما تمد أمريكا إسرائيل بأحدث مبتكراتها التسليحية لتكون لها اليد الطولى في الشرق الأوسط زوّد السوفييت كل من مصر وسوريا والعراق بالطائرة – ميج 21 – فقلبت بذلك ميزان القوى عن آخره في المنطقة، ولوّح العرب بقوتهم وسيطرتهم على الأجواء وبأن يدهم ستطول إسرائيل وتقذف بها الى البحر.
هكذا تحولت منطقة الشرق الأوسط الى حلبة صراع بين القوتين العظميين و استعراض للقوة التسليحية بين الشرق والغرب حيث كانت هناك رغبة ملحة وجامحة للحصول على إحدى طائرات الـ "ميج 21" تهديها إسرائيل لأمريكا من خلال تجنيد طيار عربي مغامر يقبل الهرب بطائرته الى إسرائيل مقابل مليون دولار.
ثالثاً : فيما بدا ان الهدف الأساسي من اختطاف ال ميج 21 كان ما سبق ذكره إلا ان هناك اهداف اخري ظلت خلف الكواليس يعتقد بعض المؤرخون والمحللون السياسيون انها كانت الأهداف الرئيسيه للموساد لإتمام تلك العمليه منها الآتي :
افتضاح أمر الجاسوس الإسرائيلي ايلي كوهين عام ١٩٦٥ في سوريا بعد أن أصبح عضوا بارزا في الحزب الحاكم ووزير وعضوا في مجلس الشعب من قبل المخابرات السورية بالتعاون مع رجل المخابرات المصري المعروف رفعت الجمال الملقب برأفت الهجان.
•احباط معنويات الجندي العربي واظهار إسرائيل بمظهر العملاق بعد أن كانت سمعتها وقتذاك لاتعدو كونها دويلة اشبه بالإمارة اسستها بعض المجوعات بدعم دولي.
•كانت تطمح هي واميركا بالتعرف على هذا السلاح المتفوق الجديد لتتمكن من ردعه وهي على أبواب حرب ١٩٦٧ التي تنوي شنها مباغتة بأسلوب الحرب الخاطفة.
•رد الاعتبار الإسرائيلي داخلياً وخارجياً عربيا وعالميا بعد عدد من الهزائم والاخفاقات الاستخبارية وهي:
•في نهاية العام ١٩٦٢ ألقت المخابرات المصرية القبض على الجاسوس المصري جان ليون توماس وهو ارمني الأصل واعترف خلال التحقيق ان الموساد جنده للعمل على تجنيد طيار مصري بغية الهروب بطائرة ميج 21 إلى إسرائيل مقابل مليون دولار.
•فضيحة عام ١٩٦٣ عند القاء القبض على عميلين للموساد في سويسرا هددا ابنة عالم ألماني يعمل في القاهرة أدت إلى اقالة مدير الموساد هاريل وتولية عاميت الذي استحصل على ميزانية أكبر للموساد لجلب المزيد من معداته وأدواته ومختبرات البحوث الفنية وضم المزيد من الخبراء إلى الجهاز.
•الكشف عن شبكة تجسس إسرائيلية تديرها بقايا وكالة الهجرة اليهودية في العراق من خلال مدارس الطائفة اليهودية في العراق “خصوصاً مدرستي شماش وفرنك عيني” ومن أبرز عناصرها الجاسوس اليهودي العراقي عزرا ناجي زلخا وزوجته روان.
•الضربة القاصمة بسقوط الجاسوس وولفجانج لوتز وزوجته في القاهرة.
•كشف الدور الإسرائيلي في الاشتراك بقتل ابن بركة في فرنسا.
•افتضاح الدور الإسرائيلي بالقيام بعمليات تخريبية ضد بعض المنشآت الأجنبية في مصر على نحو يجعلها تبدو وكانها من صنع بعض المنظمات المصرية، فيما عرف باسم فضيحة لافون.
كيف تم اختيار روفا و السعي لتجنيده ؟
أيقن الموساد صعوبه تجنيد طيارين من مصر و سوريا فسعي سعي مكثف داخل دوله العراق لإيجاد هذا الطيار .
وبعد دراسات تحليلية ساعد على بنائها خبراء متخصصون نتيجة مراقبات دقيقة للطيارين العراقيين استقر الرأي حول ثلاثة منهم هم:
• النقيب طيار شاكر محمود يوسف :
وكان مغامراً، ينتهز أجازاته لتصيد الفتيات في أماكن اللهو لهذا السبب وقع الاختيار عليه لكونه صيد سهل امتلاكه.
• الملازم أول طيار حامد ضاحي :
وكان ملتزماً خجولاً لا يصاحب الفتيات و لا يقيم علاقات مشبوهه لكنه لم يكن انطوائياً منعزلاً بل كان يرتاد البارات ونوادي الليل وإن كان لا يشرب الخمر.
وقع الاختيار عليه أيضاً لأنه يفتقد الى الخبرة في العلاقات الخاصة، ويسهل تطويعه
• النقيب طيار منير روفا :
و هو الطيار الوحيد المسيحي بين الطيارين العراقيين وكان على رأس القائمة في بداية الفرز الأولى بسبب سهولة استغلال لعبة العقائد والأقليات في عالم الجاسوسية لكن لوحظ انكماشه الملفت وملازمته للقاعدة الجوية حتى أنه لا يغادرها في أجازاته الأسبوعية والتصاقه الدائم بقائد البعثة لكي يحظى بتقرير ممتاز في السلوك مما يمنحه فرصاً أكبر مستقبلاً في الميزات والترقي.
وظل منير روفا المطلوب رقم واحد لوقت طويل لكن لما فشلت تقريباً كل الفرص المتاحة كي يتحرر روفا بعض الشي أو يبتعد عن الرقابة المفرطة التي تحاصره استبعد من القائمة و انحصر الأختيار في النهاية على زميليه شاكر وحامد حيث يسعى شاكر للحصول على دورة قائد تشكيل و يتدرب حامد لزيادة كفاءته كقائد طائرة حربية نفاثة.
انحصر اختيارات الموساد بين ثلاث طيارين عراقين لتنفيذ المهمه 007 و هم :
١-النقيب طيار شاكر محمود يوسف
٢-الملازم أول طيار حامد ضاحي
٣- النقيب طيار منير روفا
فشلت المحاولات في تجنيد شاكر و ضاحي و انتهي الامر بتصفيه كل منهما ، اما روفا ظل الخيط الاخير لإسرائيل لإتمام تلك العمليه
روفا المولود في عام ١٩٣٤ ببغداد لأسرة مسيحية أرثوذوكسية فقيرة أقامت بحي المستنصرية الشعبي كان ترتيبه الثاني ضمن تسعة أبناء لموظف بسيط يعمل بأرشيف وزارة الزراعة، عانى كثيراً بسبب كثرة الأولاد وقلة الدخل ودفعته مشاكل المعيشة الى إدمان الخمر لذلك استغل عمله في الحصول على الرشوة من جمهور المترددين و كانت نهايته الفصل من الوظيفة و الحبس لعدة أشهر.
و بعدما انتهت مدة حبسه واجهته المحن كالطوفان، فتعاظمت معاناته الى حد اليأس وذاقت أسرته الكبيرة صنوف الجوع والفقر والحاجة، ولجأ الى الهرب الى أقصى الخليج العربي حيث إمارة دبي، التي كانت واقعة آنذاك – عام ١٩٥٣ – تحت السيادة البريطانية حيث عمل بالتدريس لأبناء البدو وكانت الى القرب منه هناك موظفة هندوسية، سرعان ما غرق في حبها متناسياً زوجته وأبناءه التسعة ولم يتصور للحظة مدى معاناتهم وحاجتهم اليه و الى الجنيهات الاسترلينية الغير منتظمة التي كان يحولها لهم.
إلا أن الزوجة لم تقف مكتوفة الأيدي أمام سلبية الأب الغافل فخرجت الى سوق العمل و دفعت بابنها الثاني – منير – للالتحاق بكلية الطيران.
وبرغم حجم الكراهية التي كان منير يكنها لوالده، كانت أمه تحاول دائماً تنقية صورة الأب الملوثة المهترئة
(يتبع)
فى النهاية نتمنى ان تكون القصة نالت على اعجابكم والى لقاء متجدد مع المزيد من القصص المثيرة والمبدعة.